أكد السياسي المصري أحمد بهاء الدين أن ما يجمع العرب والكرد وبقية شعوب الشرق الأوسط بمختلف أيديولوجياتها وأديانها وأعراقها أكبر مما يفرقها، خاصة أنها تواجه عدواً مشتركاً يستمر في نهب ثروات المنطقة واستعباد شعوبها منذ قرون طويلة.
على مدار عقود، عمدت الدول الاستعمارية إلى تقسيم دول المنطقة إلى كيانات قومية متناحرة لضمان السيطرة على ثرواتها ونهب مقدرات شعوبها.
ووفق مراقبين، فقد أصبح من الضرورة بمكان أن يجتمع عقلاء المنطقة ومثقفوها لبحث سبل التخلص من عوامل الفرقة والتشرذم التي نشرها الاستعمار في المنطقة، والبحث عن نقاط الاتفاق والوحدة بعيداً عن أي شعارات قومية أو مذهبية أو أيديولوجية، خاصة أن المنطقة تحمل في جذور نشأتها قيم التأخي والمحبة وما زالت قادرة بمكوناتها المختلفة على استعادة إرثها الثقافي والحضاري والتاريخي.
أرض الحضارات والأديان
وحسب رئيس الحزب الاشتراكي المصري أحمد بهاء، فإن: “منطقة الشرق الأوسط بطبيعة أوضاعها السكانية والمناخية كانت في يوم من الأيام بيئة حاضنة لحضارات كبرى، حيث انطلقت منها الحضارة المصرية والعراقية القديمة والفينيقية، كما نزلت فيها جميع الأديان السماوية، وهو أمر يشير إلى القيم الإنسانية النبيلة التي اتسمت بها دول وشعوب هذه المنطقة التي استقبلت هذه القيم ونمّتها ونشرتها على مستوى المنطقة”.
أحمد بهاء الدين قال لوكالتنا: “مع بداية الاستعمار الغربي، تمزقت وحدة هذه المنطقة التي كانت تجمع جميع القوميات والعرقيات والأديان والمعتقدات بصورة أقرب ما تكون للصورة الديمقراطية التي تتعايش فيها جميع الأيديولوجيات والأفكار دون مشاكل أو حساسيات، تمزقت هذه الوحدة على أيدي القوى الاستعمارية التي تقاسمت دول وشعوب المنطقة وقزّمتها أشلاء في اتفاقية سايكس بيكو وغيرها من اتفاقات”.
خطة الاستعمار
ويعتقد السياسي المصري أن: “هناك خسائر كبيرة جداً تحيق وستحيق بدول المنطقة، إذا استمرت في وضعها الحالي من خلافات واختلافات ورفض للآخر، وإذا استطاعت الدول الاستعمارية في الاستمرار بنشر بذور العداء والاستعداء والترصد بين القوميات والأعراق المتجاورة، وحوّلت العلاقات بين شعوب المنطقة من أخوة وتعاضد إلى عداء وكراهية استنزفت قوى المنطقة وبددتها بلا عائد يعود على مواطنيها بالخير أو الرخاء”.
وأشار بهاء الدين إلى أن: “منطقة الشرق الأوسط التي تملك قسماً كبيراً من ثروات العالم وكنوزه أصبحت مليئة بالمشكلات، ويسودها الفقر، ويعاني الملايين من شعوبها من العوز والبؤس نتيجة سوء استخدام هذه الموارد التي هيمنت عليها الدول الاستعمارية منذ أن احتلت منطقتنا وحتى الآن”.
ولفت إلى أنه: “في العقود الأخيرة، برعت النظم الاستعمارية في استنزاف ثروات بلادنا بطرق مستحدثة، تلعب من خلالها المنظمات والجهات الاقتصادية الكبرى مثل صندوق النقد الدولي وغيره دوراً كبيراً في نهب ثروات المنطقة وإبقاء أهلها على ما هم عليها من جهل وتخلف ومرض”.
تحدّ كبير
ويرى السياسي المصري أن: “شعب المنطقة ومثقفيها أمام تحدّ كبير يوجب على الجميع تنحية الخلافات والنزعات الفوضوية والقومية التي تنظر لكل مخالف لها في العقيدة أو الفكر أو العرق أو الدين على أنه عدو يجب تصفيته لا صديق يجب التوصل معه لنقاط اتفاق”.
وحسب رئيس الحزب الاشتراكي المصري، فإن: “السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو كيف نحوّل التناقضات الثانوية بين أطراف وشعوب المنطقة إلى عناصر للتكامل، كيف نحوّل الصراعات بين قوميات وشعوب المنطقة التي تجمعها في النهاية ثقافة متقاربة، سواء كانت هذه الثقافة دينية أو حضارية، كيف نحوّلها من مصادر للصراع إلى مناطق للتوحد والتكاتف والمصير الواحد”. مشدداً على أن: “هذه المسألة يجب أن تكون على قمة جدول أعمال القوى الإنسانية، والقومية المستنيرة، والوطنية الواعية بالمنطقة، عليها أن تتمسك بشروط الوحدة في مواجهة العدو المشترك”.
العدو المشترك
ويضيف بهاء الدين: “قد يكون بيننا نحن العرب وبين باقي القوميات والشعوب في المنطقة بعض التناقضات الثانوية، ولكن هناك ما يجمع العرب والكرد وبقية شعوب المنطقة بمختلف أيديولوجياتها وأديانها وأعراقها أكبر مما يفرقهم، خاصة ذلك العدو المشترك الذى استمر في نهب ثروات المنطقة واستعباد شعوبها على مدى قرون طويلة، وأحال نهار المنطقة إلى ظلام دائم، سواء كان هذا الاحتلال فرنسي أو انجليزي أو الغربي أو نيوليبرالي أو التركي العثماني الذى يحلم باستعادة أمجاد واهية، بناها على حطام الشعوب على مدار قرون مظلمة أدت إلى تراجع الحضارة المصرية والعربية والكردية لعقود طويلة”.
وتابع: “أرجو أن تكون الأيام المقبلة مبعثاً لحوار ديمقراطي مفتوح بين فرقاء المنطقة، يدفعهم إلى تخوم التآخي والتعاضد في مواجهة التحديات الكبيرة، خاصة أن المنطقة لا تواجه فقط تحديات الاستعمار الغربي الذي يستنزف ثرواتنا أو التركي العثمانلي الذي يستهدف استقرارنا، بل تواجه أيضاً تحديات تغيير المناخ والثورة العلمية التكنولوجية والذكاء الاصطناعي التي سيتمخض عن مستوى أكثر شراسة من العبودية للدول المتقدمة والرأسمالية التي لن تتورع عن استغلالها لتحقيق مصالحها على حساب شعوب المنطقة”.
وختم السياسي المصري حديثه بقوله: “أناشد القوى الواعية والطلائع المثقفة بالشرق الأوسط وضع ميثاق عمل جديد يجمع كل القوى التي تواجه الاستغلال الرأسمالي الغربي ويوحد صفوفها في مواجهة ما يحاك لها من تفتيت وتمزيق، وأن تتحد إرادتها من أجل حماية مصالحها في السنوات القادمة حتى تستطيع أن يكون لها مكان تحت الشمس ولا يتم تهميشها كما تفعل الدول الاستعمارية دائماً في مواجهة شعوب المنطقة”.